الصورة مقلوبة
من امتلك أدوات تكوين الفكرة ، فقد امتلك أدوات طرح السؤال
أهتم ببصري كي أبحث وأنقب على من أطرح عليه السؤال .
وقبل هذا ، أهتم برأسي كي أحسن تكوين السؤال .
من عنده القدرة لسماع الجواب كاملاً ، فهو صاحب قدرة وحيوية ورشاقة الركض لمسافات طويلة ليصل للنتيجة .
الفكرة مهما كبرت برأسنا، فهي سؤال ، أو يجب أن تأخذ شكل السؤال المرحليّ ، ومن فقد القدرة على طرح السؤال ، و لم يعد عنده حب السؤال ، فتكون حينها شرايين تفكيره قد تكدست بها الدهون المشبعة والشحوم الثلاثية .
لأن الفكرة كالدهون غير المشبعة .
إن حسن طرح السؤال ، هو أهم من تلقي الجواب .
القضية قضية أسئلة إن كنا مقرين بحيوية عقولنا
العقل المتفتح يسأل كثيراً ، العقل الحيوي يسأل كثيراً ، العقل الناضج أيضاً .
ونستطيع أن نقول القلب أيضاً .
حين أطرح موضوع ، به فكرة أو رؤية ونظرة ، فطرحي هو سؤال ، أو ظرف رسالة مفتوح ، وليس ختم على ذاك الظرف حين إغلاقه.
أكون أيضاً قد مررت برؤيتي بكل ما أوتيت من قوة وصبر وقدرة تركيز ، على محكات كثيرة . وحين تنجو الفكرة من المحكات ، حينها أطرحها كسؤال يقول :
إلى هنا وصلت أنا ، هذه حدود بصري ، فهل من امتداد آخر خلف ما أرى ؟؟
ما وصل إليه بصري هو فاصلة بين الكلام ، وليس نقطة كي أبدأ من أول السطر .
لذا ، أقول بأن الطرح هو ملك المتلقي ، لأنه ألقي بحضنه ، وليس ملك الكاتب ، بل حاجته .
القصيدة ليست ملك شاعرها ، فأنا أقرؤها بحريتي ، إنما عليه هو أن يلحق بي ويمسكني ويقودني إلى ملعبه ، إلى خندق تصويبه على الفكرة والمعنى . كي ينسج برأسي فكرة جديدة .
الرواية ملكي أنا كقارئ ، وليست ملك كاتبها . هو يملك السرد فقط .
فالكاتب قد خطها من مرصده ، وبعثها لي وأنا فالت سابح بالفضاء ، آتيها من جهتي ، من مكاني . وعليه هو اصطيادي كي يضعني على منصة إطلاق أو انطلاق أسئلة جديدة .
الموسيقي كذلك .
الشاعر والراوي والموسيقي هم من عليهم اللحاق بي كمتلقي ، وعليهم إلقاء القبض علي وأسري .
فالقصيدة والرواية مثل السيارة ، أقودها كيفما شئت ، ضمن الأصول ، وعلى صانعها أن يبتكر وسائل الأمان لها .
إذاً ، الشعر ملك الجميع ، إنما الشاعر هو من يمتلك أدوات القصيدة ، ويعرف استخدامها .
الأدب والرواية ملكي كمتلقي وكقارئ ، إنما ، نجيب محفوظ يمتلك أدوات السرد ، ويعرف استخدامها .
إلا بحالة وحيدة وهي : ( الفن للفن ، الشعر لسيبويه كي يفك طلاسمه ) .