لكل شخص قمة يستحقها ، هي موضعه المناسب .
الصعود للقمة أسهل بكثير من الوقوف عليها
مقولة شهيرة ، ولا غبار عليها .
إنما لو أردنا أن تكون القمة تحصيل حاصل ، والوقوف عليها أسهل من السهولة ، يكمن حين تكون القمة بحد ذاتها قد اختارت من يقف عليها وأعطته اعتباره الذي يستحقه . بل ويمثلها .
كيف ؟؟
كن كما أنت ، فإذا أتتك القمة وأنت كما أنت ، فهذا يعني أنك لن تحتاج لاستنزاف نفسك على مدار الوقت في تدعيم قوائم المنصة التي رفعتك لفوق .
أما لو وصلت لقمة ما ، وأنت لست أنت ( بالحنكة والتخطيط الدقيق )، أو أنك لا تستحقها حتى وإن أتتك على طبق من ذهب ، فهنا تكمن صعوبة الصمود ، لأنك في أتون الاستنزاف الدائم والمستمر، والضغط النفسي . كمن يجلس على خازوق ، والوقت الذي يمشي بالروتين التلقائي دون أدنى جهد ، سيكون له ثمن غال هنا وبأقصى جهد ، ويحتاج لضخ كل طاقاتك كي يمشي بك وليس دونك . كأنك تقف على ثلج ، وهذا يجبرك على تسليط الرياح الباردة للمحافظة على درجة التجمد ، وإلا فالثلج سيذوب ويظهر المرج ( وشرشك يا أبو الشباب على البلاط ) . ولأن الشخص الذي رفعته لفوق المنصة هو شخص آخر وليس أنت . هو شخص أنت تتمنى أن تكونه ، هو وهمٌ أنت تعيشه بإرهاصاتك .
أما لو كنت أنت كما أنت ، والقمة بحد ذاتها هي التي اختارتك بمحض إرادتها لأنك أنت المناسب ، فهي الآن مسؤولة عن قرارها ، فلن تنزلق من تحتك ، وهي ساحة كبيرة لك . ويكون وقوفك على هذه المنصّة يشبه العقل السليم في الجسم السليم .
كيف ؟؟
الصدق والتلقائية المهذبة والبراءة :
حين يكون الإنسان صادقاً وتلقائياً ، يعني أنه شفّاف وقلبه واضح ، وما بداخل قلبه عرضة لمجريات الخارج ، وبما أنه تعرض لمجريات الخارج بشكل صريح ومباشر ، يكون قد تشرّب الواقع وارتسمت على صفحة إحساسه كل لوحة الحياة وتفاصيلها من دون رتوش . وتذّوق حقيقة مذاقها .
هنا حققنا القلب الذكي ، القلب الذي يعاين ما حوله بدقة بالغة واستشعار عن بعد ، تماماً كمعاينة الرادار للفضاء المحيط له .
هنا سيعرف من حقق هذا كيف ينساب مع النسمات الرقيقة ولا يزعج مسارها ، لأنه يقف بمكان صحيح . سيعرف كيف يتعامل مع الجمال والبشاعة والخشونة والنعومة ، باختصار ، سيعرف التعامل مع كل الاعتبارات ، كيف يصرف لكل شيء اعتباره ، لأنه صار يشعر بكل هذا ويعرف مذاقه عن ظهر قلب . عوضاّ عن أنه سيفقد جذوة الاحتقار لأي شيء ، مهما كان صغيراً أو وضيعاً .
أود الإصرار على ( يشعر بكل شيء ويعرق مذاقه ) بحرارته وحجمه ولونه ووو .
هنا حققنا الذوق والرقي ، فوصلنا للقمة ، بل و بتلقائية .
وهنا ، الوقت ليس سيفاً ، والطاقات غير مستنزفة ، والقمة ليست خازوق يؤلم ، وليست زلقة .
إذن ، الصدق والشفافية لابد إلا أن توصل للذوق والرقي ( رأس الصدق هو الذوق كما أن رأس الشجاعة هو الكرم ) .
مثال ممكن أن نسحب عليه :
كن بريء وصادق من البداية حتى ولو كنت مذنب ، لماذا ؟ :
أترك المسؤولية على المحقق والقاضي .
لأن الحكم النهائي إن تطابق مع أقوالك الأولى ، إذن ، فمدة التحقيق يتتحمل مسؤوليتها المحكمة . فعندها ستكون براءتك مبرمة ، لأنها من حقك الطبيعي ، وسيعوضك القاضي ويرد لك اعتبارك .
فكم هو رائع أن تمارس الشفافية مع ذاتك أولاً ، بوضع نفسك من البداية ذاك المتهم ، ثم المحقق ، ثم قاضي ، كي تكون محكمتك منك وفيك ، تكون بهذا كأنك وضعت للقانون قلب وعيون . كي لا تتعارك مع أشخاص يحكمون عليك من خلال قانون أعمى ، لا عواطف تؤخذ بحكمه .
أما لو كنت مراوغ ومحذلق ، وتحسب كل حرف وكل شهيق وزفير ، فستحتاج بكل مرة إلى حذلقة ومراوغة أكبر من سابقتها كي تغطيها . وبهذا تكون تحت استنزاف دائم .