قصيدة الطلاسم (لست أدري ) قيل فيها وعنها الكثير, عارضها بعض الشعراء,قراءتها بتدبر تميط اللثام عن العمق
الفلسفي الكائن في كلماتها وبين سطورها.
الطلاسم
إيليّا أبو ماضي
جئت لا أعلم من أين و لكني أتيتُ
ولقد أبصرت قدّامي طريقاً فمشيتُ
وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبيتُ
كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي؟
لستُ أدري!
***
أجــديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجــود
هل أنــا حرٌّ طليقٌ أم أسيرٌ في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن ....
لستُ أدري!
***
وطريقي ,ما طريقي ؟ أطويلٌ أم قصيرُ؟
هل أنا أصــعد أم أهبط فيــــــــه وأغورُ؟
أأنا السائر في الدرب ؟ أم الدربُ يسيرُ؟
أم كلانا واقفٌ و الدهرُ يجري؟
لست أدري!
***
ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئاً؟
لست أدري!
***
أتراني قبلما أصبحت إنساناً سويّا
أتراني كنت محواً أم تراني كنت شيّا
ألهذا اللغز حلُّ أم سيبقى أبديّا
لست أدري ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
***
البحــــــــر
قد سألتُ البحرَ يوماً هل أنا يا بحرُ منكا؟
هل صحيحٌ ما رواه بعضُهم عنّي وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوراً وبهتاناً و إفكا؟
ضحكتْ أمواجُه منّي وقالت:
لست أدري!
***
أيّها البحر, أتدري كم مضتْ ألفٌ عليكا؟
وهل الشاطئُ يدري أنّه جاثٍ لديكا؟
وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا؟
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
***
أنت يا بحر أسيرٌ آه ما أعظم أسركْ
أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك
أشبهتْ حالُكَ حالي و حكى عذريَ عذرَك
فمتى أنجو من الأسر و تنجو؟
لست أدري!
***
ترسلُ السحب فتسقي أرضنا و الشجرا
قد أكلناك و قلنا قد أكلنا الثمرا
وشربناك و قلنا قد شربنا المطرا
أصوابٌ ما زعمنا أم ضلال؟
لست أدري!
***
قدسألتُ السحبَ في الآفاق هل تذكررملكْ
وسألتُ الشجرَ المورقَ هل يعرفُ فضلكْ
وسألتُ الدّرَ في الأعناق هل تذكر أصلكْ
وكأنّي خلتها قالت جميعاً :
لست أدري!
***
يرقصُ الموجُ وفي قاعك حربٌ لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوتَ الأكولا
قد جمعت الموتَ في صدرك والعيش الجميلا
ليتَ شعري أنت مهدٌ أم ضريح؟
لست أدري!
***
كم فتاةٍ مثل ليلى , وفتًى كابنِ الملوّحْ
أنفقا الساعات في الشاطئ تشكو وهو يشرحْ
كلما حدّثَ أصغت وإذا قالت ترّنحْ
أحفيفُ الموجِ سرٌّ ضيَّعاهُ؟
لست أدري!
***
كم ملوكٍ ضربوا حولك في الليل القبابا
طلع الصبحُ ولكن لم يجد إلا ضبابا
ألهمْ يا بحرُ يوماً رجعةٌ أم لا مآبا
أ هُمُ في الرمل؟ قال الرمل إنّي:
لست أدري!
***
فيكَ مثلي أيّها الجبارُ أصدافٌ و رملُ
إنّما أنت بلا ظلٍّ ولي في الأرض ظلُّ
إنما أنت بلا عقلٍ ولي يا بحر عقلُ
فلماذاـ يا ترى ـ أمضي و تبقى؟
لست أدري!
***
يا كتابَ الدهرِ قلّي أله قبلٌ وبعدُ
أنا كالزورق فيه وهو بحرٌ لا يحدُّ
ليس لي قصدٌ فهل للدهرِ في سيريَ قصدُ
حبذا العلم , ولكن كيف أدري؟
لست أدري!
***
إنَّ في صدريَ يا بحرُ لأسراراً عجابا
نزل السترُ عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بُعداً كلما ازددتُ اقترابا
وأراني كلما أوشكت أدري .....
لست أدري!
***
إنني ـ يا بحرُـ بحرٌ شاطئاهُ شاطئاكا
الغدُ المجهولُ و الأمسِ اللذان اكتنفاكا
وكلانا قطرةٌ يا بحرُ في هذا وذاكا
لا تسلني ما غدٌ ما أمسِ؟ إنّي..
لست أدري!
***
الديــــــر
قيل لي في الديرِ قومٌ أدركوا سرّ الحياةِ
غير أني لم أجدْ غيرَ عقولٍ آسناتِ
وقلوبٍ بُليتْ فيها المنى , فهي رفاتِ
ما أنا أعمى فهل غيريَ أعمى؟...
لست أدري!
***
قيلَ أدرى الناسِ بالأسرارِ سكّانُ الصوامعْ
قلتُ إنْ صحَّ الذي قالوا فإنّ السرّ شائعْ
عجباً كيف ترى الشمسَ عيونُ في براقعْ
والتي لم تتبرقع لا تراها؟
لست أدري!
***
إنْ تكُ العزلةُ نسكاً و تقًى فالذئب راهبْ
وعرينُ الليثِ ديرٌ حبه فرضٌ وواجبْ
ليتَ شعري أيميتُ النسكُ أم يُحيي المواهبْ؟
كيف يمحو النسكُ إثماً وهو إثمٌ؟
لست أدري!
***
إنني أبصرت في الدير وروداً في سياجِ
قنعتْ بعد الندى الطاهر بالماء الأُجاجِ
حولها النورُ الذي يهمي وترضى بالدياجي
أمِنَ الحكمةِ قتلُ القلبِ صبراً ؟
لست أدري!
***
قد دخلتُ الدير عند الفجر كالفجر الطروبْ
وتركت الدير عند الليل كالليل الغضوبْ
كان في نفسيَ كربٌ , صار في نفسي كروبْ
أَمنَ الدير أمِ الليل اكتئابي ؟
لست أدري!
***
قد دخلتُ الديرَ أستنطق فيه الناسكين
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم فهمُ مستسلمونا
وإذا بالباب مكتوبٌ عليه......
لست أدري!
***
عجباً للناسك القانت وهو اللوذعي
هجر الناس وفيهم كلّ حسن المبدعِ
ومضى يبحثُ عنه في المكان البلقعِ
أرأى في القفر ماءً أم سراباً ؟
لست أدري!
***
كم تماري أيها الناسك في الحق الصريحْ
لو أراد الله ألا تعشق الشيء المليحْ
كان إذ سوّاك سواك بلا عقلٍ وروحْ
فالذي تفعل إثمٌ قال: إني ....
لست أدري!
***
أيها الهارب إن العار في هذا الفرارِ
لا صلاح في الذي تفعل حتى للقفارِ
أنت جانٍ أيُّ جانِ قاتلٌ في غير ثارِ
أفيرضى الله عن هذا ويعفو؟
لست أدري!
***
بين المقابر
ولقد قلتُ لنفسي وأنا بين المقابرْ
هل رأيت الأمن و الراحة إلا في الحفائرْ؟
فأشارت, وإذا للدود عيثٌ في المحاجرْ
ثم قالت أيها السائل إني.....
لست أدري!
***
أنظري , كيف تساوى الكلُّ في هذا المكانِ
و تلاشى في بقايا العبدِ ربُّ الصولجانِ
والتقى العاشقُ و القالي فما يفترقانِ
أفهذا منتهى العدلِ ؟ فقالت:
لست أدري!
***
إنْ يكُ الموتُ قصاصاً, أيُّ ذنبِ للطهارة؟
وإذا كان ثواباً , أيُّ فضلٍ للدعارة؟
وإذا كان وما فيه جزاءً أو خسارة
فلما الأسماءُ إثمٌ أو صلاحٌ ؟
لست أدري!
***
أيها القبرُ تكلّم و اخبريني يا رمامْ
هل طوى أحلامك الموتُ وهل مات الغرامْ
من هو المائت من عام ٍ و من مليون عامْ؟
أيصير الموت في الأرماسِ محوا؟
لست أدري!
***
إن يك الموتُ رقاداً بعده صحوٌ طويلْ
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميلْ؟
ولماذا المرءُ لا يدري متى وقت الرحيلْ؟
ومتى ينكشفُ السترُ فيدري؟
لست أدري!
***
إن يك الموتُ هجوعاً يملأُ النفسَ سلاما
و انعتاقا لا اعتقالا , وابتداءً لا ختاما
فلماذا أعشقُ النوم ولا أهوى الحماما؟
ولماذا تجزعُ الأرواح منه ؟
لست أدري!
***
أوراءَ القبر بعد الموتِ بعثٌ و نشورُ
فحياةٌ فخلودٌ أم فناءٌ و دثورُ
أكلامُ الناس صدقٌ أم كلام الناس زورُ
أصحيحٌ أن بعض الناس يدري ؟
لست أدري!
***
إنْ أكنْ أُبعثُ بعد الموت جثماناً و عقلا
أترى أبعث بعضاً أم ترى أبعث كُلا
أترى أبعث طفلاً أم ترى أبعث كهلا
ثمَّ هل أعرف بعدَ الموتِ ذاتي ؟
لست أدري!
***
يا صديقي لا تعللني بتمزيقِ الستورِ
بعدما أمضي فعقلي لا يبالي بالقشورِ
إن أكن في حالةِ الإدراك لا أدري مصيري
كيف أدري بعدما أفقدُ رشدي ؟
لست أدري!
***
يتبع