ولد الشاعر اللبناني مارون بن حنا بن الخوري يوحنا عبّود في قرية عين كفاع من بلاد جبيل في عام 1886، درس في القرية تحت السنديانة، دخل مدرسة مار يوحنا مارون من بلاد البترون عام 1900، لإعداده للحياة الكهنوتيّة لكنّه لم يتقبل الفكرة، ثمّ انتقل إلى مدرسة الحكمة عام 1904 حيث تفتقت مواهبه الشعريّة، اشتغل بالتدريس عام 1906، وبدأ بتحرير (جريدة الروضة) التي كان يصدرها خليل باخوس، ثم إلى تحرير (جريدة النصير) عام 1908، و(جريدة الحكمة) عام 1909، وعندما اندلعت الحرب العالميّة الأولى عام 1914 انصرف إلى مزرعته، وعيّن رئيساً لبلديّة غرزور عام 1915، ثم انتقل إلى عاليه لتدريس آداب اللغة العربيّة في الجامعة الوطنيّة حتى عام 1937.
وتحدّث عبّود عن نشأته فقال: نشأت في كنف رجل يرى الضحك جريمة فكان يهزّ العصا لي كلّما خفّ وقاري فأعود إلى الترصّن، وكان صباي وشبابي رصانة لا قيمة لها لأنّها مصطنعة وضدّ طبعي ، فأضعت ذاتي زمناً طويلاً، ولم أعثر عليها إلاّ في ظهر العمر، وصرت أخيراً كما يقول أبو نوّاس: وشيبي بحمد الله غير وقار.
كتب في الأدب والنقد ونظم الشعر الجميل بغزارة فلا تخلو سنة من سنوات عمره الطويل من كتاب أو ديوان، وعدّ له أكثر من ستين كتاباً منشوراً بالإضافة إلى كتبه المخطوطة، ومنها هذه الباقة الطيّبة من المؤلّفات: (أشباح القرن الثامن عشر) 1924، و(الأخرس المتكلّم) 1925، و(مغاور الجن) 1927، و(كتاب الشعب) 1928، و(وجوه وحكايات) 1945، و(على المحك) 1946، و(مجدّدون ومجترّون) 1948، و(روّاد النهضة الحديثة) 1952، و(الأمير الأحمر) 1953، و(سبل ومناهج) 1955، و(أحاديث القرية) 1957، و(قبل انفجار البركان) 1958، و(نقدات عابر) 1959، و(أدب العرب) 1960، و(فارس آغا) 1964، و(الشعر العامي) 1968، و(رسائل مارون عبود) 1977، و(مارون عبود الصحافة) 1078، و(من كلّواد عصا) 1980.
وكان محباً للكتاب، جمّاعاً للكتب، ضمّت مكتبته نحو ستّة آلاف مجلّد بالعربيّة والسريانيّة والتركيّة.
وبعد هذه الرحلة الطويلة من العطاء الفني الراقي سقط القلم من يده المرتعشة عام 1962 وقد أعيته الشيخوخة وهدّه المرض، وصمت صوته المدوي في دنيا الأدب، بينما كانت أجراس مدينة جونية تودّعه باكية.
قصيدة: محمد مارون
الشاعر: مارون عبود
يقول مارون عبّود: رزقت ولداً فسمّيته محمداً، فقامت قيامة الناس، فريق يستهجن ويقبّح ويكفّر، وفريق يوالي وينتصر، وكان أوّل من قدر هذا العمل وأعجب به أشدّ الإعجاب، صديقي المرحوم أمين الريحاني، ونظمت هذه القصيدة:
عشت ياابني، عشت يا خير صبي....... ولدته أمه في رجبِ
فهتفنا وأسمُهُ محمدٌ......... أيها التاريخ لا تستغربِ
خَفّفِ الدهشةَ واخشعْ إن رأيتَ..... ابنَ مارونٍ سميّاً للنبي
اُمّه ما ولَدتْهُ مسلماً........ أو مسيحياً ولكن عربي
والنبيُّ القرشيُّ المصطفى...... آية الشرق وفخر العربِ
يا ربوع الشرق اصغي واسمعي..... وافهمي درساً عزيز المطلبِ
زرع الجهل خلافاً بيننا....... فافترقنا باسمنا واللقبِ
(فالأفندي) مسلمُ في عرفنا...... والمسيحيُّ (خواجه) فاعجبي
شغلوا المشرق في أديانهِ......... فغدا عبداً لأهل المغربِ
يا بني اعتزَّ بإسمٍ خالدٍ....... وتذكّرْ إن تعشْ، أوفى أبِ
جاء ما لم يأِتهِ من قبلهِ...... عيسويٌّ في خوالي الحقبِ
فأنا خصم ُالتقاليد التي....... ألقتِ الشرقَ بشرّ الحَرَبِ
بخرافاتِهِِمِ استهزىء وقلْ:.... هكذا قد كان من قبلي أبي
وغداً يا ولدي، حين ترى....... اثري متبَّعاً تفخر بي
بكَ قد خالفتُ يا ابني ملّتي..... راجياً مطلعَ عصر ذهبي
عصر حرية شعبٍ ناهضٍ....... واتحادٍ لبقايا يَعرُبِ
حبّذا اليوم الذي يجمعنا..... من ضفافِ النّيل حتى يثربِ
ونحيّي علمَاً يخفقُ....... فوقَ منارات الورى والقبَبِ
ليته يدرك ما صادفته...... عندما سمّيته، من نصبِ
لو درى في المهدِ أعمال الألى..... حركتهم كهرباء الغضبِ
لأبى العيش وشاءَ الموت في..... أمّةٍ عن جِدّها في لعبِ
كم وكم قد قيلَ ما أكفرَه...... سوف يصلى النارَ ذات اللهبِ
إن يشنّع بابنهِ لا عَجَبٌ....... فهو غرٌّ كافرٌ لا مذهبي
لا تصدّق قولَهم يا ولدي...... إن فيما قِيل كلَّ الكذبِ
فكتابي العدلُ ما بين الورى.... في بلادٍ هيَ أمُّ الكتب
فاتّبع يا ابني أباً ابغّضَهُ..... وجفاهُ كلُّ ذي دينٍ غبي
فهمُ آفةُ هذا الشرقِ مذ.... حكموهُ بضروبِ الرعبِ
جعلوا الأديانَ معراجَ العلى... ومشَوا في زهوهم في موكبِ
شرّدوا«أحمد» عن مضجعه..... فسرى ليلتَهُ في كربِ
ودّهوا عيسى لما علَّمهُ...... وهو لولا كيدهم لم يُصلبِ
فإذا ما متُّ يا ابني في غدٍ .... فاتبع خطوي تفزْ بالأربِ
وعلى لحديَ لا تندب وقُلْ..... آيةً تزري بأغلى الخطبِ
عاش حراً عربياً صادقاً...... وطواه اللحدُ حراً عربي
إنّ حبّ الناس ديني وحي....... اةَ بلادي باتحاد عربي
فكتابي العدلُ ما بين الورى....... في بلادٍ هيَ أمُّ الكتب
فاتّبع يا ابني أباً ابغّضَهُ........ وجفاهُ كلُّ ذي دينٍ غبي
فهمُ آفةُ هذا الشرقِ مذ...... حكموهُ بضروبِ الرعبِ
جعلوا الأديانَ معراجَ العلى.... ومشَوا في زهوهم في موكبِ
شرّدوا«أحمد» عن مضجعه...... فسرى ليلتَهُ في كربِ
ودّهوا عيسى لما علَّمهُ........ وهو لولا كيدهم لم يُصلبِ
فإذا ما متُّ يا ابني في غدٍ....... فاتبع خطوي تفزْ بالأربِ
وعلى لحديَ لا تندب وقُلْ....... آيةً تزري بأغلى الخطبِ
عاش حراً عربياً صادقاً...... وطواه اللحدُ حراً عربي