بعد التحية و الشكر, دعني أعترف بأنني لست من المختصين بالآداب ,ولكني أزعم هوايتي للآداب عموماً و تذوقي للشعر خصوصاً , ولست في معرض المناكفة ,و مع احترامي لما ورد من شرح وتوضيح للصورة في البيت, إلا أنني أنظر للصورة من زاوية مختلفة قليلاً , أرى منها أن البون بين يأكل و يمسك أقل منه بين يأكل ويطعم ,وبالتالي فإن الهجاء مع (يطعم) أوضح و يتضمن السخرية التي لا تظهرمع (يمسك)
قد أكون مخطئاً ولكني لا أشعر بذلك ,ربما أحياناً نقبل ما يقال من المشهورين دون مناقشة وذلك للثقة التي تنغرس في نفوسنا لهم ,سوف أسرد التالي من باب الشيء بالشيء يذكر راجياً القبول:
منذ عدة أشهر كنت أقرأ في طوق الحمامة في الأُلفة و الأُلاف , لابن حزم الأندلسي
من منشورات المكتبة العصرية /صيدا ـ بيروت
شكله وعلق حواشيه وقدم له ووضع فهارسه / نزار وجيه فلوح
راجعه د. ياسين الأيوبي
اقتباس:
((وإني وإن تعتِبْ لأهونُ هالكٍ *** كذائب نقرٍ زلّ من يد جهبذِ (2)
على أن قتلي في هواك لذاذةٌ *** فيا عجــــباً مـــن هالكٍ متــــلذّذِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هكذا ورد البيت في معظم الطبعات : والنقر:ج نقرة : القطعة المذابة من الذهب أو الفضة
(المحيط/نقر) ولا ندري كيف تكون القطعة مذابة أو (ذائبة) وتزل في يد النقاد؟! ومثل هذه
المعاني المصطنعة كثير في شعر ابن حزم .ولعل هذا ما دفع د.عباس إلى رد هذه القراءة
واقتراح بديل عنها,فقرأ
كزائف نقد ذل في يد جهبذ) (ص153). ولكن المعنى العام يبقى
ضعيفاً ... والجهبذ النقاد الخبير البارع بطرق النقد , لفظ معرب (تاج العروس/جهبذ) ))
وورد (( وقد لاحظت بعد مراجعة جميع طبعات (الطوق) و التدقيق فيها ومقارنتها , أن
ذلك الكم الكبير منها لا يتبقى منه بعد الغربلة والتصفية سوى ثلاث من الطبعات العلمية
الرصينة , وهي كما أشرت:
ـ..........
ـ..........
- الطبعة البيروتية التي حققها د. إحسان عباس , وهي الأكمل.)) انتهى الاقتباس.
لا شك بأنك وأي شخص آخر يتوقع أن جهداً قد بذل في التفكير بهذا البيت من قبل المختصين والأمر الذي لا أشك فيه إطلاقاً أن أياً منهم لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى أي صائغ ليراه كيف يصنع,
في سن المراهقة , كان أحد أصدقائي يعمل عند صائغ يهودي في دمشق , ومما أذكر عنه قوله : إن أصعب وأدق مرحلة هي عندما ينتهي صهر الذهب ويرفع من الفرن ليصب في القالب , لأن أي ارتجاج يؤدي إلى سقوط الذهب وتبعثره واستحالة جمعه , وكان الصائغ قد شرح له هذه النقطة و حذره أن أي كمية تسقط سيغرم بقيمتها , وهذا الخوف جعله يترك العمل عند الصائغ بعد فترة ليست طويلة.
فلو عرف أيٌّ منهم هذه المعلومة فماذا كان رأيه في الصورة الشعرية التي تضمنها ذلك الشطر,
وهل سيقول ساخراً( ولا ندري كيف تكون القطعة مذابة أو (ذائبة) وتزل في يد النقاد؟!)
أخيرا أرجو المعذرة للإطالة ولأي خطأ غير مقصود
نواف